من كان يسقيني و من ذا يطعم ** و أنا على مهدي أصم و أبكم
منذا يترجم صرختي و يحيلها ** معنى فيدرك ما أقول و يفهم
فإذا أجن الليل مهدي من ترى ** يمسي يهدهده و لا يتبرم
منذا يطيع أوامري و من الذي ** في ليله و نهاره أتحكم
و من الذي أقلقت مضجعه بما ** آتيه مما يستثير فيحلم
كم ذا ظمئت و لست أحسن مطلبا ** للماء أن أروي و لا أتكلم
و لكم أجوع فلا أهب مطالبا ** و أظل أبكي تارة و أدمدم
من كان يحميني الردى و يحيطني ** برعاية فيها أنام و أحلم
أمي و يا لفؤادها من جنة ** كم ذا نعمت بها و كم أنعم
حتى درجت و تلك أكبر محنة ** تلقى الأمومة في الحياة و أعظم
كم كنت أملأ ليلها و نهارها ** عبثا يضيق الصدر عنه فتحلم
أهوى عذاب أخي الصغير مخاتلا ** و أعيث في ماعونها فأحطم
و أظل أبتكر المشاكل كلما ** هدأت فلا تشكو و لا تتبرم
أبكي و أصرخ إن منعت جريمة ** و لكم تداري غيظها و تكتم
تطغي غريزتها فتمسح أدمعي ** فيذوب في كأسي الحنان المفعم
و لكم مرضت فلم يخالط جفنها ** غمض فتسهر و البرية نوم
أشكو فتشكو ما أحس كأنني ** من جسمها عضو يزال فيعدم
حتى إذا كشف السقام قناعه ** عن مقلتي و زال ما تتوهم
طفرت دموع البشر ترسم فرحة ** فيها الحنان العبقري مجسم
و مضى الزمان يلف في طياته ** زمر الحوادث و هي لا تتصرم
و شببت عن طوقي قويا شامخا ** و دم الشباب بمهجتي يتضرم
و مشيت في هذه الحياة مناضلا ** حرا أصول كما أشاء و أقدم
فزهت بما صنعت و طابت يومها ** نفسا و عاودها الخيال الملهم
و جثت بعيدا و هي تدعو ربها ** و الدمع فوق خدودها يترنم
أنمو على دعواتها و دموعها ** و تظل في محرابها تتهدم
هي شمعة ولهى تذوب لكي أرى ** خطوي و في رقصاتها أتقدم
حاشا الأمومة ما نسيت حقوقها ** و عهودها فهي الأبر الأرحم
أنا إن عبدت الله ثم نسيتها ** فأنا الذي يهذي بما لا يعلم
الشاعر الهادي ادم (سوداني) 1926_ 2006م. غنت له ام كلثوم غدا القاك